حكاية الجارية



هذه حكاية شخصية لإمرأة عاشت في وقت ما، في بلد يحكمه نظام ديني (جلعاد). ولأنها قصة شخصية فهي محدودة بما تعرف وتشعر وتهتم به هذه المرأة الساردة. إنها أيضا نوع من الديستوبيا، في عالم مجحف بحق النساء، يتدنى بهن إلى مرتبة ”رحم بساقين“، بوظيفة واحدة هي الإنجاب. لا نعرف كثيرا عن ظلام هذا العالم فيما يخص الرجال، فالقصة كما ذكرت مكثفة من واقع الراوية ومحدودة بعلمها.

في هذا العالم، هذه المرأة شبه سجينة في نظام صارم من الأفعال والكلمات والأماكن المسموح بها. لا وسائل لتعرف ما يحدث في خارج بيئتها. القلنسوة/الحجاب الذي ترتديه ليس لهدف تغطية رأسها فقط، بل لمنعها من رؤية خلاف النقطة أمامها فقط، أو الحديث مع الآخرين بحرية. التواصل مع الآخرين يشوبه الحذر الشديد، فمن الخطر أن تسارع بكشف أوراقك أو الكلام بحرية قبل اكتشاف باطن من تتحدث معه. هل هو يفكر مثلك، يعارض هذا الواقع، أم أنه منهم؟ وهذا الحذر والبوح البطئ المتردد هو أيضا اسلوب هذه الحكاية.

السرد جميل ولا يخلو من شاعرية مبطنة في وصف اللحظات والأفكار والمشاعر التي تجتاح الراوية. والحكاية تكشف أسرارها ببطء ودون تسرع تاركة الأسئلة مع كل تفصيل. الحدث يسير ببطء فيما تصف بطلة الحكاية تفاصيل عالمها الذي تعيشه. البيت والناس وأنماطهم وتصنيفاتهم، وما هو مسموح وما هو غير مسموح

وحيث هو عالم يحكمه الدين، فالرواية حافلة بالإحالات والاقتباسات من الانجيل

يتناوب السرد بين اللحظة الراهنة والذكريات القديمة بخفة. وهناك تنوع مدهش في اسلوب الحكي، فهي -أي الراوية -تذكرك أنها تحكي حكاية. وهي تضطر أحيانا، وعبر صياغة معتنى بها للكلمات، أن تحكي عما لا تعرف يقينا. إنها تتخيل ما يمكن أن يكون حدث، لتملأ الفراغ في قصتها، ترسم مسارات متعددة لأحداث تثقل قلبها وذاكرتها لكنها لا تعرف يقينا كيف انتهت. تخبرك بما حدث ويحدث، لكنها أيضا تستعين بالخيال أحيانا، لتجعل قصتها أكثر احتمالا

وقد تتميز هذه الدستوبيا عن غيرها مما سبق لي قراءته (1984 و عالم جديد شجاع) أن راوية الحكاية عاشت عالمين: ما قبل عالم الظلام وما بعده. كان لها حياة سابقة في عالم حر تحن لها. أما في الروايات المشار لها حيث العالم الديستوبي قديم  فكان البطل ابن زمنه، لا يعرف سوى ما يعيش، وفي رحلة لاكتشاف الصواب في عالم خطأ

كتبت أتوود هذه الرواية في 1985 بتأثير من فكرة ظهور جمهورية دينية في الواقع (إيران) وكيف خسرت النساء جزء من حرياتهن في ظلها. الرواية -بطبيعتها كعمل خيال- مبالغة في تصور واقع بلاد دينية وتطرفها في قمع النساء، لكنها لم تخل من مشاهد بدت لي واقعية ومعروفة. وقد أحرزت الرواية اهتماما جديدا في السنوات الأخيرة بعد وصول ترامب للسلطة وظهور سياساته المنادية بمناهضة الإجهاض.  

الترجمة جيدة جدا ولكن بإمكانها عبر مراجعة اضافية أن تتخفف من بعض العسر فيها، ومن المصطلحات التي وجدتها تحتاج إلى ترجمة. (الكهيرب والفاحوص .. حقا؟

أحببت هذه الرواية وأتطلع لقراءة أعمال أخرى لمارغريت أتوود

الكتاب: حكاية الجارية (رواية)
الكاتبة: مارغريت أتوود
الناشر: مجموعة كلمات (الإمارات)


تعليقات